السبت، 1 فبراير 2014
السبت، 1 فبراير 2014

ملاحظات حول ظاهرة التسول

صورة توضيحة من الإنترنت
وأنا في طريقي إلي محل عملي صباحا حيث  الجو بارد جدا  أري سيدة في ثلاثين من عمرها تقريبا جالسة علي الرصيف وتحمل علي حجرها طفلا رضيعا ومعها طفل آخر في رابعة من عمره تقريبا يكاد يطير من شدة الهواء   كانوا يجلسون هكذا ينتظرون المارة  بغية التسول من المارة منظر يكاد يفطر قلب ذو القلوب الرحيمة حتي يضطرهم لاعطائهما ما يجيد به أهل الخير من مال كمساعدة حتي لا يبقيان علي هذا الحال طويلا ولك ان تذهب وتأتي مرات عديدة وأيام كثيرة ولا تجدهما يبرحان  المكان وكأن ما يتحصلا عليه من مال لا يكفي حاجتهم ...


التسول ظاهرة منتشرة في مصر كالنار في الهشيم فلا يمكنك السير في طريق  من طرق  مصر _المحروسة أم الدنيا_  باختلاف مستوياتها وأهميتها  إلا وستقع عيناك علي مواطن يقوم بالتسول ويسأل الناس إلحافا ولهم في هذا اساليب عدة مختلفة ومتنوعة لا تعد ولا تحصر كلها تشترك في هدف واحد هو  استجداء عطف أهل الخير لكي يعطو لهم المال.

لا يمكنك ان تقول أن التسول اختراع مصري حصري بل هو اختراع بشري عالمي فالتسول كما هو في مصر تجده في باقي بقاع العالم  شرقه وغربه إنما قد يختلف طبيعيته واسلوبه ومدي انتشاره من بلد لآخر تبعا لمستوي الاقتصادي والثقافي لتلك  البلد لكنه في النهاية لا يعدو سوي تسول وإن اختلفت اشكاله وصوره -و لا يمكن أن تستثني دولة من دول العالم من وجود التسول فيها .

كما إن التسول ليس بدعة من بدع زماننا هذا ولكنه قديم قدم الآزل قدم الإنسان علي الأرض فالتسول  لم يكن جريمة يعاقب عليها القانون  بل اباحتها بعض المجتمعات كحرفة ونظام اجتماعي معترف به حينما عجزت هذه المجتمعات عن توفير وسيلة أخري لهم  للعيش حتي أنه في عصر الفاطمي  كانت تجبي  الضرائب من المتسولين مثلهم مثل باقي فئات المجتمع في اعتراف مباشر وقوي بمشروعية التسول ..

غياب دور الدولة  في حفظ الأمن والنظام العام في الشارع  بالاضافة لفشلها في ادارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية كان له أثر سلبي في توفير حياة كريمة للفقراء والمساكين ، بالاضافة لغياب التكافل الاجتماعي الحقيقي بين أفراد المجتمع ، وقصور واضح في دور منظمات المجتمع المدني الخيري الذي لا زال لا يلاحظ له دور في توفير الرعاية اللازمة للفقراء ، بالاضافة لاضمحلال  الوعي الديني لدي الأغنياء والقادرين علي العطاء والبذل للفقراء والمحتاجين في المجتمع المستحقين لمساعداتهم المالية  ،ربما  هذه الاسباب وغيرها أدت بصورة وبأخري لأنتشار ظاهرة التسول كالنار في الهشيم كما ذكرت .

وفي الحقيقة كثير من هولاء المتسولين يتأخذون التسول كحرفة وكمهنة و وسيلة لكسب الرزق  له ولمن يعوله بعيدا عن العمل الطبيعي  متعللا في ذلك بعدم توافر فرص العمل  او لعدم قدرته علي القيام بأي من الأعمال المتوفرة له  إما نتيجة  لسنه  سواء كان طفلا صغيراً أو شيخا كبيرا او لاعاقته او لمرضه و عدم إمكانية تشغيله في عمل يناسب ظروفه  و حجج وعلل أخري  قد تبدو منطقية للوهلة الأولي ولكن  إن تعمقنا فيها وفي الظروف المحيطة بكل شخص يقوم بالتسول لعرفنا إن معظم هؤلاء  المتسولين قادرين علي العمل ويتوفر لهم فرص عمل حقيقية بعيدا عن تسول ولكنهم وجدو في التسول مصدر لرزق الوفير وبدون عناء يذكر كغيره من المهن..وهذا ما اثبتته دراسات كثيرة وايضا ما تثبته ملاحظة استمرار المتسول مدة طويلة في القيام بالتسول وبلا توقف وكأن حاجته لا تنقضي .

ولكن لا يمكن أن نحكم علي كل المتسولين بأنهم كلهم هكذا فهنالك من هم حقا اصحاب الحاجة قليلا الحيلة لا يجدون مصدرا للرزق سوي التسول  فيضطرون له ولكنهم نسبة قليلة جدا لو استطعنا حصرهم ورعايتهم وتأهيلهم وتوظيفهم لما اضطروا للتسول مرة اخري

كذلك هنالك من يضطرون للتسول بعدما يقعوا تحت سيطرة عصابات تجبرهم علي التسول كالأطفال فهنالك  عصابات من البلطجية والمجرمين  تقوم بخطف الأطفال واجبارهم علي التسول لحسابهم ولو استطاعت الجهات الأمنية القبض علي هذه العصابات وتغليظ العقوبات عليهم حتي لا يعودا مرة اخري لخطف الأطفال واجبارهم علي التسول وكذلك رعاية تلك الأطفال وتاهيلهم وتوظيفهم حتي لا يضطرون للتسول مرة اخري  لما عادوا للتسول مرة اخري...

ولكن " لو " كما يقولون تدخل عمل الشيطان ولا حول ولا قوة إلا بالله فلا لدولة دور ولا لمؤسسات دور في رعاية أو الأهتمام بالمواطنين الصالحين فجل اهتمامها الحقيقي والذي تعمل بجد واجتهاد عليه هو جعل الصالحين فاسدين وهكذا ما يجري مع المتسولين قبل إن يكونوا متسولين كانوا مؤهلين لان يكونوا مواطنين صالحين ولكن تقاعس الحكومة وفشلها وعدم قيامهم بدورها الحقيقي هو من جعلهم هكذا متسولين ومع الوقت يصبحون مجرمين وكل ما تقوم به الحكومات هو توفير المناخ المناسب لنمو الجريمة والتسول احد صورها بالطبع ...

التسول من الناحية الشرعية  فعل مذموم ومحرم إن لم يكن لحاجة حقيقية وقد ورد ذكره حيث قال صلي الله عليه وسلم ناهيا عن احتراف التسول واتخاذه مهنة  " لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مُزعة لحم "  (متفق عليه) (والمٌزعة هي القطعة) وقال أيضا  "من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر" (رواه مسلم) (تكثراً: ليكثر مال، وإنما يسأل جمراً: إنما يعاقب بالنار).

التسول احد الظواهر الخطيرة التى  قد ينشأ عنها الكثير من أضرار الاجتماعية والسلوكية والامنية والاقتصادية تتمثل في الحصول علي اموال بدون وجه حق ، وان يلجأ البعض للتسول كمصدر للدخل بدلا من العمل الجاد مما قد يؤثر بالسلب علي تقدم المجتمع وازدهاره ونموه ، وما قد يقوم به بعض اصحاب الضمائر العفنة والنفوس الضعيفة من اختطاف للاطفال وذو الحاجات  واستغلالهم في عمليات التسول ، كذلك ما يقومون به المتسولون من عمليات سرقة ونصب ونهب و بلطجة  وتعاطي وترويج للمخدارات .

ولكي نقضي علي ظاهرة  التسول لابد أولا من نعلم أنه  لو لا الفقر والجهل والبطالة ما ظهر التسول في الإساس ولم يكن له وجود وعليه لا بد من القضاء علي  ثلاثتهم عن طريق  تدعيم الدور المجتمعي في رعاية الفقراء والمحتاجين  كذلك توعية القادرين ماديا بأهمية أن تصل ما يستطيعون تقديمه من صداقات ومساعدات لمستحقيها  الحقيقين كذلك القضاء علي الجهل والبطالة ومن ثم تفعيل العقوبات وتغليظها علي من يتأخذ التسول كحرفة مع توفر العمل المناسب له .

هذه التدوينة مشاركة في مسابقة التدوين الثانية للأخ عبدالله  الميهري ...

0 تعليقات:

إرسال تعليق